بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : في وصف الكافرين : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ..)
لو تأملت هذه الآية الكريمة لوجدت أنها تشتمل على صورتين فنيتين هما : الصورة القائلة : ( ختم الله على قلوبهم و على سمعهم ) و الصورة القائلة : ( وعلى أبصارهم غشاوة ) و لعلك تتساءل عن الفرق بين هاتين الصورتين : الصورة القائلة بأن الله تعالى قد طبع أو ختم على قلب الكافر و على سمعه .. والصورة القائلة بأن الله تعالى قد جعل على بصره غشاوة ، ألم يكن من الممكن مثلاً أن يقول النص ( ختم على قلوبهم وعلى سمعهم و على أبصارهم ) بحيث يجعل صفة الختم على كل من القلب و السمع و البصر ؟ إلا أن الملاحظ أن النص قد خصص كلاً من القلب و السمع بطابع ( الختم) و خصص البصر بطابع الغشاوة ، فما هو السر الفني وراء ذلك ؟
قبل أن نجيب على هذا التساؤل ، ينبغي أن نتبين أولاً طبيعة الصيلغة لهاتين الصورتين ، وما ترمزان إليه من الدلالات ...
الصورة الأولى : تتضمن استعارة أو رمزاً هو : عملية الختم على قلب الكافر وسمعه ، و معنى الختم هو : أن تضع مادة ما على الشيء بحيث تسده ، كما تلاحظ ذلك مثلاً فيما تضعه الدوائر الحكومية من الأختام على المحال التجارية أو الدور التي يرادحجزها ،و هذا يعني أن الختم هو سد الشيء ، حيث استعار النص القرآني هذه الصفة المادية للشيء و خلعها على القلب و السمع ، فجعل للقلب قفلاً تسد أمامه أبواب الفهم والإدراك و التعقل ، ومما يساعدنا على استخلاص هذا المعنى أن النص القرآني في سورة محمد و صف قلوب الكافرين ( أم على قلوب أقفالها) فجعل الأقفال رمزاً لانسداد الفهم والإدراك
والمهم هو : أن نلاحظ أن عملية الانسداد تتناسب مع طبيعة هذين الجهازين المعدين لالتقاط الحقائق و الأصوات ، بحيث إذا سدت أبوابهما لما أمكن للقلب أن يعي ، ولا للأذن أن تسمع ، وهذا بخلاف جهاز البصر الذي خلع عليه النص طابع الغشاوة ، حيث لا تتناسب هذه الصفة مع جهازي القلب والسمع بقدر ما تتناسب مع جهاز البصر ، فعندما تواجهك صورة ( و على أبصارهم غشاوة ) تلاحظ أنك أمام رمز يختلف عن الرمز الذي لحظته بالنسبة للقلب و السمع، فقد خلع النص على البصر طابع الغشاوة والغشاوة معناها الغطاء ، ، بينما خلع على القلب والسمع طابع الغلق والسد ...
و السر الفني وراء ذلك هو : أن البصر من رغم إمكان جعله مسدوداً ، كما لو أغلق الكافر عينيه مثلاً ، إلا أن النص القرآني في صدد أن يوضح بأن الله تعالى هو الذي جعل الكافر- نتيجه سلوكه المعاند- عديم البصر ، ولذلك لابد من وضع شيء على بصره من الخارج ، حتى يحجزه عن النظر إلى ما حوله ، وهذا ما يتناسب مع الغطاء ، لأن وضع أبسط غطاء على البصر كاف في منع عملية الإبصار، وهذا ما يفسر سبب عدم انسحاب هذه الصفة على القلب والسمع ، وذلك لأن الغطاء لو وضع على القلب والأذن لا يمنع من عملية الإدراك و الاستماع ، فلو قدر لك أن تضع غطاء على أذن أحد الأشخاص فهذا لا يحجز الأذن من وصول الأصوات إليها وكذلك القلب ، بعكس الختم الذي يعني وضع مادة تسد جميع منافذ الإدراك .
واستهدف من وراء هذين الرمزين إلى الإنغلاق التام في ذهنية الكافر ، فلا أمل في إصلاحه أبداً مادام قلبه - وهو مركز الهداية- قد ختم عليه ، ومادام سمعه - و هو الحاسة التي يمكن لها أن تستمع إلى القول وتفيد منه - قد ختم عليه ومادام البصر - و هو الحاسة التي يمكن أن تفيد من النظر إلى الظواهر الكونية الدالة على وجود الله وإبداعه - قد وضعت الغشاوة عليه ...
و أخيراً هل أمكنك أن تدرك الفارق بين صورتي ( الختم ) و ( الغشاوة ) ؟؟؟؟؟؟